العرب والعالم

تقرير: أكبر انتصار لحركة شعبوية متصاعدة في العالم

20 يناير 2017
20 يناير 2017

واشنطن - (أ ف ب): دخل دونالد ترامب امس التاريخ بوصفه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة مجسدا بذلك اكبر انتصار لحركة شعبوية تشهد تصاعدا في العالم وتبعث الكثير من المخاوف بعدما احدث انتخابه خلافا لكل التوقعات، زلزالا سياسيا.

ففي صباح التاسع من نوفمبر، دخل دونالد ترامب محاطا بعائلته إحدى قاعات فندق هيلتون في نيويورك، ليوجه كلاما مطمئنا إلى الولايات المتحدة والعالم اللذين كانا يتابعان بذهول وقائع ذلك النهار التي باغتت الجميع.

ويقابل فوز رجل الأعمال (70 عاما) الذي يفتقر الى الخبرة السياسية وأثار الكثير من الفضائح بمواقف وتصريحات معادية للأجانب والأقليات والنساء، بقلق قسم من الامريكيين وحماسة القسم الآخر منهم.

كما اثار في الآونة الاخيرة جدلا بتصريحات انتقد فيها حلف شمال الاطلسي واوروبا.

وقال الرئيس المنتهية ولايته باراك أواما «أنا وهو على طرفي نقيض بصورة ما». والواقع أنه يصعب تصور شخصين مختلفين اكثر من الرئيس الحالي والرئيس المنتخب. فأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة يتميز ببراعة فكرية ولباقة فطرية، في حين أن الملياردير المعروف خصوصا بتسريحة شعره الأشقر طبع الحملة الانتخابية بتصريحات تبسيطية فجة أثارت الكثير من الجدل.

ويبقى دونالد ترامب بالمقام الأول رجل أعمال حقق نجاحه في مجال العقارات الفخمة ونوادي الغولف، وجعل من اسمه «ترامب» ركيزة لثروته وعلامة تجارية يبيعها في جميع أنحاء العالم حيث ترفع فوق مبان وشركات لا يملكها بالضرورة.

كما أنه هو نفسه من مشاهير مدينته نيويورك، وهو كان يملك مسابقة «ملكة جمال الكون»، وبنى شهرته على برنامج «ذي ابرانتيس» من تلفزيون الواقع الذي كان ينتجه ويقدمه، ويحظى الفائز فيه بوظيفة في مجموعة ترامب. وهو صاحب ثروة كبرى ولو تختلف الأرقام بشأنها، بين 3,7 مليار دولار بحسب مجلة فوربز، وعشرة مليارات بحسبه هو نفسه.

وفي السياسة، يبدي ترامب مواقف مبالغا بها، وهو نزق الطبع، يعجز عن إخفاء اعتداده بنفسه. لكنه يعتمد في سياسته على حدسه، وهو أول من استشف مشاعر الخيبة والغضب التي تحرك شريحة من الأمريكيين، هي طبقة العمال البيض الذين يعانون من تدهور أحوالهم المادية نتيجة العولمة والتبادل الحر، فاستغلها في حملته الانتخابية.

وليس هناك الكثير من القواسم المشتركة بين ترامب وأولئك الذين يدعي تمثيلهم والدفاع عنهم في وجه نخب وقيادات سياسية يحمل عليها بشدة. فهو يقيم في مانهاتن، في أعلى برج «ترامب تاور»، في شقة من ثلاث طوابق مسرفة في الفخامة والترف، ويسافر في طائرة خاصة وأنفق خمسين مليون دولار من ثروته الشخصية على حملته الانتخابية.

وقال حين اختارته مجلة «تايم» رجل السنة «اعيش في شقة لم ير أحد مثيلا لها، ورغم ذلك امثل عمال العالم».

ويدعو ترامب إلى عودة الوظائف الى الولايات المتحدة، وهو يشدد الضغط على الشركات منذ انتخابه وقبل تولي مهامه حتى، فيعلق على عملها مستحسنا أو مستنكرا. وتأتي هذه السياسة أحيانا بنتائج، حيث أعلنت عدة مجموعات لإنتاج السيارات عن استثمارات في الولايات المتحدة أو عن تقليص استثماراتها في المكسيك. وقال الملياردير خلال مؤتمر صحفي «قلت إنني سأكون أكثر من يستحدث وظائف على وجه الارض، وهذا ما أعتقده فعلا».

ولا يخالف ترامب المعايير السياسية المعتمدة فحسب، بل هو خارج عن المألوف على جميع الأصعدة. فهو شن هجوما على الحزب الجمهوري وتمكن من السيطرة عليه. وبعدما كان قادة الحزب ينعتونه بـ»الدجال» و»المنافق» أعلنوا الواحد تلو الآخر تأييدهم له.

وشن ترامب الكثير من الهجمات اللاذعة على الجمهوريين خلال حملة انتخابية بناها على حلول مبسطة لمسائل معقدة. فأوصى لمعالجة مسالة الهجرة ببناء جدار على الحدود مع المكسيك وطرد 11 مليون أجنبي مقيمين على الأراضي الأمريكية بصورة غير شرعية. وفي مواجهة الإرهاب، دعا الى منع دخول المهاجرين من دول ذات مخاطر الى الولايات المتحدة، بعدما طرح في مرحلة اولى إمكانية فرض حظر على المسلمين.

ويثير ترامب قلق السود وذوي الأصول الأمريكية اللاتينية والأقليات والأجانب المقيمين في الولايات المتحدة.

وفي وضع جيوسياسي معقد في القرن الواحد والعشرين، يدعو ترامب الى التقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعتبره العديد من الجمهوريين الأمريكيين عدوا لأميركا. واقر ترامب في الاونة الاخيرة للمرة الاولى بان روسيا تقف وراء قرصنة معلوماتية لبريد مسؤولي الحزب الديموقراطي خلال حملة الانتخابات الرئاسية. لكنه قال ان الولايات المتحدة تتعرض للاختراق «من قبل دول اخرى».

ويشن ترامب منذ انتخابه هجماته بصورة شبه حصرية عبر موقع تويتر حيث يتابعه أكثر من عشرين مليون مشترك، فيستخدم التغريدات لإبداء غضبه وتسوية حساباته مع كل من يتجرأ على انتقاده أو لا ينال استحسانه. وقال مايكل دانتونيو الذي كتب سيرة لترامب في مقابلة أجراها معه تلفزيون «اف ب تي في» «إنه لا يسعى الى مقام رئاسي أكبر. ليس من النوع الذي يتكيف مع الدور، بل يفرض نفسه على المنصب».

ونجح المرشح بصورة مذهلة خلال الحملة في تخطي فضائح أثيرت بشأنه، ولا سيما مع كشف معلومات محرجة عنه، وفي طليعتها تسريب تسجيل له يتكلم فيه عن النساء بعبارات بذيئة ومهينة ويقر بأنه لامس نساء بدون موافقتهن.

ولم يكن له اداء ناجح في المناظرات التلفزيونية، لكن تجمعاته الانتخابية كانت تستقطب حشودا غفيرة وتسودها حماسة كبيرة. وتمكن من تجسيد آمال شريحة كبيرة من الأمريكيين.